الجمعة، 29 فبراير 2008

نجمو لعبة شد الحبل بين إيران و الولايات المتحدة الأمريكية

العلاقات بين الدول تحكمها المصالح لا العواطف. هذه مقولة أثبتت صحتها في العلاقات الإيرانية-الأمريكية. فبرغم العداوة الظاهرة بين البلدين على مختلف الأصعدة، تسيطر البرغماتية السياسية على التعاون الثنائي بين القوة العظمى و القوة الإقليمية الإيرانية.

هكذا يبدو أن التعاون الإستخباراتي الإيراني-الأمريكي بدأ يعطي ثماره على الميدان. فلا يمكن أن يدخل في الحسبان أن أمريكا تستطيع أن تقضي على خصومها من كبار قادة القاعدة، أكان ذلك في أفغانستان أم في العراق، بنفسها دون تنسيق و تعاون وثيق مع أعتى و أقوى جهاز إستخباراتي في المنطقة: جهاز المخابرات الإيرانية.

فرغم أن إيران و الولايات المتحدة يبدوان في أولة وهلة أنهما في صراع مرير للسيطرة على مجرى الأحداث و منابع الثروة في الخليج و العراق و أفغانستان، بالإضافة إلى النووي، إلا أن الحكمة القائلة بأن "عدو عدوي صديقي" أثبتت صحتها في العلاقة بين الدولتين. فبعد سلسلة من اللقاءات العلنية بين الطرفين أطلق عليه مصطلح "الحوار" بدأ النقيضان تعاونهما العملي في الخفاء و ذلك لدحر و استئصال العدو المشترك: القاعدة و أتباعها السلفيين الجهاديين اينما كانوا. و الطرفان أمام خيار واحد لا ثاني له: التعاون من أجل المصلحة المشتركة، و البقاء الفعال على الساحة.

الإدارة الأمريكية تريد نصرا سريعا و باهرا ضد القاعدة. و هذه الإدارة لن تتوان لحظة و لن تتردد هنيهة في استعمال كل الوسائل، و لو تطلب منها ذلك التعامل مع الشيطان، لتحقيق هذا الغرض و لو على حساب بعض المبادئ. ذلك لأن القضاء على القاعدة قبل نهاية ولاية الرئيس بوش يعتبر تتويجا لسياساته الرامية إلى استئصال شوكة القاعدة و تحقيق النصر النهائي.

أما إيران الشيعية فمشكلتها مع القاعدة و الجماعات الجهادية السنية معركة طويلة الأمد و تريد استغلال الوجود الأمريكي في المنطقة لتحقيق هدف أضحى من أولويات الملالي الإيرانيين: القضاء على العدو السني قبل أن يسترجع أنفاسه و يؤسس دولا في أفغانستان و العراق تهدد سيطرة إيران على المنطقة. و إيران محاصرة بين فكي القاعدة: القاعدة الأم في أفغانستان و القاعدة في بلاد الرافدين. و للقاعدة تاريخ مرير مع نظام الملالي في طهران الذي يقبع في أقبيته عشرات السجناء الجهاديين الذي حاولوا استخدام التراب الإيراني معبرا للمرور من و إلى العراق، من بينهم أعضاء من أسرة بن لادن، كإبنه سـعـد، و أسماء أخرى مشهورة في قيادة القاعدة. و قد نجح النظام الإيراني، على ما يبدو، في استغلال ضعف بعض هذه القيادات و ميولاتها المتذبذة و شق شرخ في أوساط القاعدة، تحت التهديد أحيانا و تحت وقع الإغراءات المادية و المعنوية في أغلب الأحيان. و هكذا دفع النظام الإيراني قيادين في التنظيم الجهادي إلى التخلي عن قناعاتهم السابقة و ترك القاعدة و خيانة رسالتها الجهادية إما بحثا عن حياة أفضل في عاصمة "الروافض" أو ثأرا بالقيادة العليا للقاعدة التي يشعرون بأنها تركتهم بدون سند و لم تعمل على "تحريرهم" من قبضة الفرس.

و أحسن صورة لهذا التحول في حياة الجهاديين الذين وقعوا في أسر الإيرانيين ما أقدم عليه مؤخرا القيادي الجهادي نجم الذي لم ير أي حرج في خيانة القاعدة و مساعدة أمريكا، عبر الإيرانيين، على قنص قادة القاعدة واحدا تلو الآخر. و آخرضحية من ضحايا نجم هو أبو ليث الليبي الذي قتله صاروخ أمريكي في بداية هذا الشهر في وزيرستان.

و لعل نجم لم يكن يعرف بأن اعترافاته للمخابرات الإيرانية و معلوماته عن رفاقه في الجهاد ستجد طريقها إلى المخابرات الأمريكية، و لكن سواء عرف أو لم يعرف فالنتيجة واحدة: خيانته سببت مرة أخرى في مقتل أحد القادة الكبار في صفوف القاعدة.

و خيانة نجم ليست وليدة الأمس. فهو الذي باع "أمير القاعدة في بلاد الرافدين" أبو مصعب الزرقاوي للإرانيين الذين زودوا الأمريكان بدورهم بالمعلومات الدقيقة التي أدت إلى قتل رامبو الرافدين. و لو العمل الإستخباراتي الذي قام به نجم مع الإرانيين لما وصل الأمريكان إلى معقل الزرقاوي. و قد أدى مقتل الجهادي الأردني في العراق إلى دق ناقوس الخطر و توقف سيل حركة القاعدة عبر إيران خشية الوقوع في كمائن نجم التي ينصبها ضد رفاقه السابقين.

و ستكون الأيام القادمة حافلة بالإغتيالات "المستهدفة" أي التي يخطط لها مسبقا من قبل المخابرات الأمريكية في العراق، بالتعاون مع المخابرات الإيرانية و ذلك بناء على المعلومات الدقيقة التي يقدمها نجم عن اتصالاته مع مختلف حركي القاعدة الذين لم يستفقوا بعد و لم يدركوا مدى و خطورة التعامل مع ياسين و النتائج الكارثية التي تترتب على خيانته لهم.

ترى من هي الضحية القادمة لنجم؟ ربما الظواهري أو بن لادن أو أحد القادة من "الصف الثاني" من صفوف القاعدة أو أحد الممولين المقيمين في بلدان الخليج، و عددهم لا يحصى، و هو على علم و اتصال دائم بهم ما دامت القيادة العليا للقاعدة تعتبره مهما و حلقة وصل بين الجهاديين المقيمين في إيران و باقي الجهاديين المقيمين في الخليج. فمن تجرأ على خيانة واحدة لن يتردد في خيانات أخرى، تلكم هي طبيعة الإنسان.




ليست هناك تعليقات: