الجمعة، 7 مارس 2008

قراءة في مقتل عماد مغنية: سوريا تطلق حزب الله


حادثة إغتيال القيادي العسكري لحزب الله عماد مغنية في دمشق سابقة خطيرة في المعادلات الإقليمية للمنطقة ليس فقط بسبب إغتيال قيادي بحجم مغنية و لكن بسبب الإرتباك السياسي الذي نجم عن هذه الحادثة.

فمقتل هذا القيادي الميداني يعيد إلى الأذهان الكثير من الأحداث التي عرفتها المنطقة و التي يصعب فهمها و تفكيك شفرات رسائلها. و أهم هذه الأحداث مقتل صبري البنا، القيادي الفلسطيني المعروف باسم أبو نضال، في بغداد قبيل بدأ الحرب في العراق في بداية سنة 2003. فقد إغتال نظام صدام حسين أبا نضال للتخلص منه و بعث رسالة واضحة للإدارة الأمريكية التي كانت ماضية في التحضير للحرب مفادها أن العراق لم يعد ملجأ للإرهابيين و أن العراق أقدم على التخلص من آخر الإرهابيين المطلوبين أمريكيا. لكن الرسالة جاءت متأخرة و غير كافية، و تلكم قضية أخرى.

بخلاف المرات السابقة التي تتشدق فيه إسرائيل بمقتل أعدائها و تحاول قدر الإمكان تضخيم الأمور و إظهار إنجازاتها المخابراتية و الميدانية للعالم على أنها بطولات لإثبات أسطورة إسرائيل التي لا تهزم، لم يبد زعماء الدولة العبرية أي دليل يثبت تورطهم في هذه العملية و لم يتباهوا بنجاحهم رغم الرغبة الملحة للتبجح بنجاح باهر في خضم الحرب الإعلامية التي يخوضها العدوان اللدودان و خاصة بعد كارثة صيف 2006 في لبنان.

الخاسر الأكبر في هذه العملية هو بالدرجة الأولى هو حزب الله و الجماعات الإرهابية الأخرى التي تتغطى تحت شجرة النظام السوري، فسواء تمكن هذا الأخير من اعتقال القتلة المحتملين للزعيم اللبناني أو لم يتمكن من ذلك. فإن تمكنت أجهزة الإستخبارات و الأمن في دمشق من اعتقال أي فرد تستطيع إلصاق التهمة له سيكون إعترافا ضمنيا بتغلغل الأجهزة الإستخباراتية الأجنبية للتراب السوري و اختراقها للأجهزة الأمنية السورية و هذا يعني استحالة توفير الأمن لكل الذين فروا من بلدانهم طلبا للأمن في سوريا.

أما إذا لم توقف السلطات السورية لأي مشتبه به فإن ذلك يؤكد نظرية المؤامرة السورية و محاولتها التخلص من ضيوف أضحوا عبئا ثقيلا عليها و مصدرا لقائل كثيرة كوضعها في قائمة الدول الراعية للإرهاب و المصائب التي يجلبها هذا التصنيف. و هذه الفرضية هي الأقرب إلى الواقع. ذلك أن النظام في دمشق يئس من تراكم الإحباطات التي يجلبها واحدة تلو الأخرى هؤلاء الضيوف من أعضاء حزب الله و جند الشام و فتح الإسلام و المقاتلين الأجانب الذين يعبرون إلى العراق الذين جاءوا في بداية الأمرلتبادل الخدمات مع النظام السوري: السماح لهم بالإقامة و الحركة مقابل إستعمالهم كأوراق ضغط من قبل نظام الأسد لتحقيق مآربه و البقاء في سدة الحكم.

بعد تجربة طويلة في احتضان مختلف التنظيمات المقاتلة و مقاتليها، أصبحت دمشق تعي أن الضرر الذي يجلبه أولائك الإرهابيون أكبر بكثير من الفائدة المرجوة منهم. فالنظام تأكد أن العدو رقم واحد، أي إسرائيل، لا يريد تغييره لأن هذه الأخيرة لن تجد أفضل من عائلة الأسد لإدامة حالة اللاحرب و اللاسلم و التي تخدم إسرائل بالدرجة الأولى، ناهيك أن النظام السوري أثبك في أكثر من مناسبة أن المبادئ القومية التي يتغنى بها ليل نهار ما هي إلا شعارات جوفاء لا تسمن و لا تغني عن جوع. و لهذا فإن النظام العلوي في دمشق بدأ ينفذ سلسلة من الإجراءات هدفها إرسال رسائل مشفرة لألد أعداءه، إسرائل و الولايات المتحدة، فحواها الرسالة أن النظام السوري يريد العودة إلى حظيرة الأمم المعتدلة، شأنها في ذلك شأن ليبيا القذافي التي بدأت تجلب ثمار تحولاتها الجذرية.

و لأن التحالف الإستراتيجي مع إيران، و ذراعها العربية حزب الله، ليس بالتحالف الأبدي و لا بالتحالف الناجح سياسيا و اقتصاديا، و لم يجن النظام السوري سوى المصائب منه، بات من المؤكد أن دمشق يئست من العزلة و تريد التخلص من هذا الإرتباط في أقرب وقت ممكن كي ينجو النظام بنفسه و يحافظ على ما يمكن المحافظة عليه قبل فوات الأوان.

يخطأ الذين ينساقون وراء الخطاب الرسمي السوري و ما يوازيه من تهريج سياسي و كلامي من قبل حزب الله لتقبل فكرة اغتيال عماد مغنية من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. فالدولتان لم تستطيعا أن تقتلاه كل هذه السنين رغم تربعه على قائمة المطلوبين لأن السوريين قدموا له الحماية اللازمة لأمنه و سلامته و استعملوه لتحقيق أغراضهم و بالمقابل سُمح له باستعمال سوريا ملجأ و مخبأ و مركز انطلاق لعملياته. لكن لما أصبح الرجل عبئا ثقيلا على النظام لم يتردد هذا الأخير عن التخلص منه لأن الربح الذي سيجنيه من أمريكا أكبر بكثير من الإحتفاظ به. و ليست هذه العملية الأولى، و بالتأكيد لن تكون الأخيرة، لأن سوق المساومة و التنازلات بدأ و النظام السوري يعرف كيف يقدم الهدايا التي ترضي من يهددونه. و سوف تعرف الآونة المقبلة إغتيالات أخرى لتأكيد نية النظام في تغيير مساره.

و لعل في اغتيال عماد مغنية عبرة لخالد مشعل و رفاقه المقيمين في سوريا. لأن الأسد و أجهزته سيضطرون لتقديمه أضحية لإحتواء غضب إسرائيل من تصاعد دور حماس في غزة و كسب ود الإدارة الأمريكية التي فقدت صبرها مع النظام السوري. فبقاء خالد مشعل في دمشق إنتحار مبرمج و مؤكد له لا ينتظر سوى موعدا للتنفيذ. ذلك لأن القاعدة الثابتة في حياة الأنظمة الشمولية أن الضيوف يضلون ضيوف مهما طالت زيارتهم و مهما بالغ المستضيف في كرم ضيافته. فسيأتي يوم يبلغ الضيف وزن مثقاله، إذ عكس الأنظمة الشفافة التي تطلب من الضيف الثقيل أن يرحل إذا ما تجاوز حدود الضيافة فإن الأنظمة القاتمة تلجأ دائما إلى " الحل النهائي" ألا و هو التخلص من الضيف إلى الأبد.


ليست هناك تعليقات: