السبت، 10 مايو 2008

أسامة بن لادن و أيمن الظواهري و الصراع من أجل من البقاء

تعكس رسالتا أسامة بن لادن و رسالة أيمن الظواهري الأخيرة حالة التخبط و العشوائية التي آل إليه تنظيم القاعدة، كما تعكس هذه الرسائل و توقيتها حجم التنافس المرير بين أسامة بن لادن و أيمن الظواهري على قيادة الحركة الجهادية. فلعبة القط و الفأر بين الرجلين طفحت إلى العلن لتعلن أمام الملأ أن ما كان مجرد فرضية إلى حد الآن بات أمرا حقيقيا وحتميا يؤكده الرجلان بمناسبة أو بدون مناسبة.

كلما تحدث أحدهما إلا و جاء بعده الآخر برسالة منافسة تبدو في الوهلة الأولى و كأنها تكملة لرسالة الآخر إلا أن قراءة متأنية و موضوعية تثبت العكس تماما، إذ أن الرجلين في صراع محموم على الظهور الإعلامي و في حرب إعلامية شعارها "الحرب خدعة" إلا أن حنكة الرجلين و دهاءهما حال دون الدخول في سجالات كلامية بحتة لن تنفع بادئها و لن تشفع المستهدف منها. ذلك أن سجالا مباشرا على شبكة الإنترنت لن يخلق إلا مزيدا من المرارة و الإحباط و اللامصداقية.

في رده على أسئلة الشبكة العنكبوتية بدد الرجل الثاني في القاعدة أي آمال في توضيح واقع الوضع السائد في ريادة القاعدة إذ أعلن مسبقا أنه لن يرد على أي سؤال يتعلق بالوضع السائد في هرم السلطة التابع للتنظيم و التناحر المفترض بين أقطابه مؤكدا بذلك أن ما يوصف بخلافات في أوساط القيادة هو واقع سائد. فلو لم يكن الوضع كذلك لقال الظواهري "لا مشاكل بين قادة القاعدة. كل واحد منا يجاهد من موقعه و كل منا مخلص للآخر و ولي أمرنا هو الشيخ أسامة بن لادن." فلماذا لم يصرح الظواهري بكلمات يسيرة تنفي ما يدور في أروقة شبكات التحليل و في عقول الجهاديين حول تعقد الوضع الداخلي للقاعدة؟ السبب أن أي نفي تأكيد و أي تأكيد انتحار نهائي. و بذلك أضحى الظواهري في موقف حرج أجاب أو لم يجب، أكد أو نفى. أما أسامة بن لادن فلم يتطرق إلى الموضوع إطلاقا و كأنه بذلك يقول للسائلين إن القافلة تسير، بما أن قيادته لقافلة القاعدة على حالها فلا كلمة واحدة تفصل بين المنافسين و تشفي غليل السائلين.

مسألة الصراع على هرم القاعدة ليست جديدة فهي تعود و تشتد كلما ظهرت بوادر في الأفق على احتدام الصراع بين أقطاب التنظيم. فالمتتبع لأخبار القاعدة يلاحظ هذا الصراع المحموم بين قطبيها الرئيسيين: قائدها المتهالك أسامة بن لادن و نائبه الطموح أيمن الظواهري. فكلما ظهر واحد منهما برسالة مصورة أو صوتية يتبعه الثاني، بعد أيام قلائل، برسالة تحمل في طياتها نفس المعنى و الفحوى. فهكذا طل علينا الظواهري برسالة إلى أهل غزة و تبعه بعيد ذلك أسامة بن لادن برسالة تدعو الشعب الفلسطيني إلى الإلتحاق بالقاعدة في العراق، و بعد رسالة بن لادن اختار الظواهري مجموعة من الأسئلة المتعلقة بعلاقة القاعدة بحماس الفلسطينية للرد عليها في آخر ظهور له على شبكة الإنترنت. و هكذا يحاول كل منهما أن يستحوذ على القضايا الرئيسية في العالم الإسلامي و على القضية الأم، أي القضية الفلسطينية.

يتنافس الرجلان على الظهور على المواقع الإعلامية، و يتنافسان على القضايا و المواضيع التي يطرحانها، إلا في قضية واحدة ألا و هي قضية الرد على مراجعات السيد إمام الشريف. حيث يبدو أن القضية قضية شخصية تلازم الظواهري و تعكر صفو حياته. فالرجل تحدث عنها في أكثر من مناسبة و خصص أكثر من مئتين صفحة للرد عليها في كتابه "البراءة" بينما لم يذكرها بن لادن و لو مرة واحدة منذ أن أطلقها صاحبها.

"القائدان" إذن يتنافسان على الظهور و اختطاف المواضيع، و يفترقان في معالجة المواضيع الشخصية، لأن ردود الظواهري على مراجعات السيد إمام مسألة شخصية تمس كبرياء الظواهري و تطعن مصداقيته و تأسس حاجزا يحول دون وصوله إلى أعلى هرم السلطة في التنظيم الجهادي.

في المقابل يتأجج الصراع بين الشيخين و يصل إلى أقصى درجاته في محاولتهما اليائسة لاستغلال القضية الفلسطينية لأغراض شخصية بحتة مثلما فعل معظم الزعماء العرب منذ الخمسينيات إلى يومنا هذا و هم يحاولون احتكار هذه القضية و الإطناب في الحديث عنها و ألقاء الخطب العصماء دون أن يحركوا ساكنا و لو قيد أنملة لتغيير الواقع الفلسطيني المرير. فما من زعيم عربي إبتداء من عبد الناصر و مرورا ببومدين إلى القذافي إلى الأسد الإبن إلا و استخدم القضية الفلسطينية لترسيخ حكمه في بلده وبسط استبداده على شعبه باسم مكافحة إسرائيل و فأصبحت فلسطين بوابة للبحث عن شرعية مفقودة.

فالظواهري يوبخ حماس و قادتها لأنهم لم يعترفوا به قائدا و مرجعا و لم يخرج الفلسطينيون على بكرة إبيهم للتظاهر و هم يحملون صور قادة القاعدة أو الظواهري. بل العكس، إذ لا تتردد المنظمة الفلسطينية، و هي أصلا منظمة تابعة للأخوان المسلمين في الأردن و ذراعها السياسي جبهة العمل الإسلامي، لا تتردد في رفض أطروحات الظواهري علنا و محاولاته لاستغلال القضية الفلسطينية. فكم من مرة رد الزعماء الفلسطينيون، و خاصة زعماء حماس، على أطروحات الظواهري بالسلب و الإستنكار و طلبوا منه مرارا التوقف عن التدخل في الشؤون الفلسطينية لأنهم لا يريدون تزكية الإرهاب و لا يودون الخلط بين قضية عادلة و قضية الإرهاب المنبوذة من قبل كل مجتمعات العالم.

كما أن الرجلين يتصارعان على حلبة العراق و يبذلان محاولات يائسة لبسط النفوذ و السيطرة على ما أمكن و ما تبقى من فلول المقاتلين السنة. فكلما تحدث بن لادن إلى "الشعب العراقي" رد عليه الظواهري "بكلمة" صوتية أخرى تحدث ضجيجا إعلاميا وتحاول أن تذكر الجميع بأنه "رقم مهم" في المعادلة الجهادية و أنه صاحب رأي وأنه مرجعية لا مفر منها. و لعل صعود نجم أبي يحي الليبي في هرم القاعدة سيغذي المشاحنات و يؤجج نار المنافسة في صفوف التنظيم خاصة و أن الليبي بدأ مشواره بخطب نارية و "رسائل قاتلة" تؤكد تفوقه الخطابي و الفقهي و تؤسس لمعارك أخرى طاحنة في صفوف "القيادات المجاهدة".